غزة تواجه أزمة نفسية متفاقمة

يحذر اختصاصيون نفسيون في غزة من تفاقم أزمة الصحة العقلية بعد نحو عامين من القصف الإسرائيلي الكثيف والتوغلات المتكررة، مع ارتفاع حاد في عدد المرضى الذين يلتمسون العلاج منذ بدء الهدنة الأخيرة. وتقول السلطات الصحية المحلية إن أكثر من ٦٨ ألف شخص قُتلوا وإن سكان القطاع البالغ عددهم ٢,٣ مليون نسمة يعانون من الدمار الواسع وفقدان المأوى والجوع. وتفيد المستشفيات والعيادات، التي تعرض الكثير منها للضرر أو تعمل جزئيًا فقط، بزيادة كبيرة في الطلب على خدمات الدعم النفسي وإعادة التأهيل طويلة الأمد. في مركز الهلال الأحمر الفلسطيني في خان يونس، يصف العاملون حالات الأطفال الذين يعانون كوابيس متكررة، وتبوّلًا لا إراديًا، وصعوبات في التركيز، وتأخرًا في النمو. ويقول فريق الصحة النفسية الرئيسي في مدينة غزة، الذي نزح من مستشفاه المتضرر إلى عيادة قريبة، إن عدد المرضى تجاوز ١٠٠ شخص يوميًا، وإن الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالعلاج النفسي تلاشت تقريبًا. ونظرًا لضيق المساحة وقلة الموارد، يضطر الأطباء لتقاسم الغرف، مما يحد من خصوصية الجلسات. سمحت الهدنة الأخيرة لكثير من النازحين بالعودة إلى منازل مدمرة وخففت من حدة القتال في بعض المناطق، رغم استمرار الضربات المتقطعة التي أودت بحياة العشرات وفق السلطات الفلسطينية، بينما تقول إسرائيل إن قواتها تكبدت أيضًا خسائر أثناء استهدافها لمقاتلين. ويحذر مسؤولو الصحة والمنظمات الدولية من أن الأزمة الإنسانية في القطاع تتجاوز الصدمات الفورية، إذ تضررت مراكز غسيل الكلى ووحدات علاج السرطان والرعاية المزمنة بشكل بالغ، وسُجلت وفاة أكثر من ٤٠٠ مريض غسيل كلى بسبب نقص المعدات وتراجع عدد الجلسات. تشير تحليلات منظمة الصحة العالمية والتقييمات المحلية إلى احتياجات هائلة لإعادة التأهيل، إذ يحتاج عشرات الآلاف إلى علاج طويل الأمد بعد إصابات جسيمة، كما أن أقل من نصف مستشفيات غزة تعمل جزئيًا فقط بسبب الأضرار ونقص الوقود والكادر الطبي. إن تلاقي الإصابات الجسدية والنزوح والجوع وتوقف التعليم واستمرار انعدام الأمن ترك جيلًا كاملًا يواجه جروحًا مرئية وأخرى خفية. ويطالب الأطباء ووكالات الإغاثة بزيادة عاجلة في خدمات الصحة النفسية وتوسيع قدرات إعادة التأهيل وتأمين سلاسل الإمداد الطبي وإعادة بناء البنية التحتية الصحية ضمن أي خطة لإعمار القطاع. ويحذرون من أنه دون استثمار مستدام وضمان وصول العلاج، ستستمر تبعات الحرب النفسية والجسدية لسنوات، وربما لعقود، بعد توقف القتال الفعلي.