شنّت الطائرات الإسرائيلية سلسلة غارات على مواقع إسمنت وإنشاءات في جنوب لبنان، ما أدى إلى تدمير واسع في المعدات والبنى التحتية وإثارة مخاوف متزايدة بشأن مستقبل جهود إعادة الإعمار الهشة في المنطقة. وأفادت وسائل الإعلام الرسمية ومسؤولون محليون بأن أضرارًا جسيمة لحقت بمقلع ومصنع إسمنت في بلدة أنصار بعد استهدافهما، إضافة إلى ضربة أخرى أصابت كسارة بين منطقتي أنصار وسنيّا، حيث أظهرت الصور مجمعًا إسمنتيًا مدمّرًا بالكامل. ووصف السكان المشهد بأنه كارثي، مؤكدين أن المواقع المستهدفة كانت منشآت مدنية مخصصة لأعمال البناء وليس لأغراض عسكرية.
وقالت وزارة الصحة اللبنانية إن الغارات الأخيرة أسفرت عن مقتل شخص في بعلبك وإصابة سبعة آخرين في مناطق جنوبية مختلفة. وأشارت تقارير بلدية إلى أن ما يقارب ٤٠٠ حفّارة وجرافة — وهي معدات أساسية لإزالة الأنقاض وإعادة البناء — تعرضت للتدمير أو لأضرار جسيمة في قرى الجنوب، وقدّرت الخسائر في بعض المناطق بعشرات ملايين الدولارات. وحذّر مقاولون من أن تدمير ورش العمل ومعارض المعدات والطرق السريعة شلّ بالكامل عمليات التنظيف البلدية وإصلاح الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي، بينما قد تؤدي القيود على الاستيراد والأزمة المالية الخانقة إلى تأخير استبدال المعدات لأشهر طويلة.
وادعت إسرائيل أن الأهداف كانت مرتبطة بالبنية التحتية لحزب الله، وزعمت أن المقالع والمصانع تُستخدم لإنتاج الإسمنت والمعدات الهندسية لإعادة بناء “منشآت إرهابية”، بحسب المتحدث باسم جيشها. لكن حزب الله والمسؤولين المحليين نفوا هذه المزاعم، مؤكدين أن المواقع المستهدفة مدنية بالكامل. ووصف إعلام الحزب الغارات بأنها “هجوم مباشر على الاقتصاد اللبناني”، متوعدًا بالرد “في الوقت والمكان المناسبين”. بدوره، أمر رئيس الوزراء اللبناني بتقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن الدولي، متهمًا إسرائيل بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن رقم ١٧٠١.
وتأتي الغارات في ظل صراع مستمر منذ أكثر من عام بين إسرائيل وحزب الله خلّف دمارًا واسعًا في قرى الجنوب ونزوح آلاف المدنيين. وعلى الرغم من اتفاق الهدنة الذي أُعلن في نوفمبر بعد ١٣ شهرًا من القتال عبر الحدود، تواصل إسرائيل تنفيذ عمليات جوية محددة بدعوى استمرار “التهديدات الأمنية”، فيما تحافظ على وجود عسكري عند عدة نقاط حدودية. وتشير التطورات الأخيرة إلى تصاعد التحديات الإنسانية والإعمارية في الجنوب اللبناني، وإلى خطر اندلاع جولة جديدة من التصعيد مع تبادل الاتهامات بين الطرفين بشأن استخدام البنية التحتية المدنية في النزاع القائم.