احتجاج حاشد في القدس ضد خطة التجنيد

تجمع مئات الآلاف من اليهود المتدينين (الحريديم) عند المدخل الرئيسي لمدينة القدس في مظاهرة ضخمة احتجاجًا على خطط الحكومة لفرض التجنيد الإلزامي على أبناء مجتمعهم، ما أدى إلى إغلاق الطرق وتعطيل حركة المرور والنقل العام بشكل شبه كامل. وقدرت وسائل الإعلام والمنظمون عدد المشاركين بنحو ٢٠٠ ألف شخص، معظمهم رجال يرتدون الزي التقليدي، واحتل بعضهم أسطح المباني ومحطات الوقود والرافعات، في استعراض مقاومة سلمي إلى حد كبير تطلب نشر أكثر من ٢٠٠٠ شرطي لتأمين المنطقة. وشهدت التظاهرة مأساة عندما سقط فتى يبلغ من العمر ١٥ عامًا وتوفي خلال الاحتجاج، وأكدت خدمات الطوارئ الحادثة فيما فتحت الشرطة تحقيقًا في ملابساتها. ورفع المتظاهرون لافتات ورددوا شعارات ترفض التجنيد الإلزامي، معلنين استعدادهم “للسجن بدلًا من الخدمة في الجيش”. ووصفت السلطات المظاهرة بأنها من أكبر وأشد التحركات المناهضة للتجنيد في تاريخ البلاد الحديث. وتكشف الأزمة عن انقسام اجتماعي عميق في إسرائيل حول الإعفاء التاريخي الذي يمنح لطلاب المعاهد الدينية “اليشيفوت”، الذين يشكلون نحو ١٣٪ من السكان ويعتبرون أن الدراسة الدينية الكاملة تمثل خدمة وطنية بحد ذاتها. وقد تصاعد التوتر بعد حكم المحكمة العليا الذي قضى بعدم قانونية هذه الإعفاءات، إضافة إلى توقيف عدد من الشبان الحريديم الرافضين لأوامر التجنيد. ويرى كثير من الإسرائيليين العلمانيين، الذين يواجهون خسائر بشرية مرتفعة على جبهات متعددة، أن استمرار الإعفاءات يشكل ظلمًا لأولئك الذين يخدمون فعليًا في الجيش. سياسيًا، يشكل الملف تهديدًا مباشرًا لاستقرار الائتلاف الحاكم، إذ تملك الأحزاب الدينية نفوذًا كبيرًا في البرلمان، وأي محاولة لفرض التجنيد قد تدفع نحو انتخابات مبكرة. ويحاول المشرعون صياغة قانون يوفق بين مطالب الزعماء الدينيين واحتياجات الجيش الذي يسعى لزيادة عدد المجندين. ويؤكد قادة التيار الحريدي أن الخدمة العسكرية الإلزامية ستقوّض الحياة الدينية لأنها ستبعد الشباب عن الدراسة في المعاهد، بينما يصر مؤيدو التجنيد على أن الخدمة الوطنية يجب أن تكون واجبًا مشتركًا بين جميع المواطنين. ومع انتهاء الاحتجاج، برزت مجددًا صعوبة التوفيق بين العدالة الاجتماعية ومتطلبات الأمن مع احترام حرية المعتقد الديني. وتواجه الحكومة ضغوطًا متزايدة لصياغة تشريع يوازن بين المساواة في الخدمة وحماية الحريات الدينية واستقرار الائتلاف السياسي، وسط تصاعد الغضب الشعبي من الجانبين.