أعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعيين سيباستيان لوكورنو رئيسًا للوزراء، بعد أيام فقط من استقالته وانهيار حكومته القصيرة الأجل. وقَبِل لوكورنو المنصب «بدافع الواجب»، وكُلّف بشكل عاجل بتقديم ميزانية عام ٢٠٢٦ إلى البرلمان في وقت تعيش فيه فرنسا أزمة سياسية عميقة مع برلمان منقسم لا يملك فيه أي تكتل أغلبية واضحة.
وجاء قرار ماكرون بعد اجتماع مع قادة الأحزاب الرئيسية في محاولة لتأمين دعم سياسي، إلا أن ردود الفعل من المعارضة جاءت غاضبة ومتشائمة. فقد أعلن قادة اليسار أنهم لن يتعاونوا تلقائيًا مع الحكومة الجديدة، بينما لم يستبعد بعضهم دعم اقتراح بحجب الثقة، في حين وصفت الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة إعادة التعيين بأنها «إهانة للشعب الفرنسي» وتعهدت بمواجهة لوكورنو في أقرب وقت ممكن. أما النواب الوسطيون فقد دافعوا عن القرار باعتباره ضرورة لإعادة الاستقرار وضمان استمرار عمل مؤسسات الدولة.
ويبلغ لوكورنو من العمر ٣٩ عامًا، وقد شغل سابقًا منصب وزير الدفاع ويُنظر إليه كأحد أبرز الموالين لماكرون. وسيكون عليه الآن تشكيل حكومة جديدة بسرعة وتأمين دعم برلماني لتمرير مشروع الميزانية قبل موعده النهائي. وكانت حكومته السابقة قد انهارت بعد ١٤ ساعة فقط من إعلانها، عقب انتقادات لعدم توسيع تمثيلها السياسي بما يعكس الانقسام الثلاثي في البرلمان بين اليسار والوسط واليمين المتطرف بعد الانتخابات التشريعية غير الحاسمة لعام ٢٠٢٤.
وتسببت حالة عدم الاستقرار السياسي بالفعل في تراجع الثقة الاقتصادية وتباطؤ النمو، وأثارت مخاوف بشأن مصداقية فرنسا المالية، فيما حذر مسؤولون من أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى خفض التصنيف الائتماني للبلاد. ويحتدم المشهد السياسي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٢٧، حيث تسعى الأحزاب إلى تعزيز مواقعها، فيما يرى محللون أن انهيار حكومة جديدة قد يدفع نحو انتخابات مبكرة يرجح أن يستفيد منها اليمين المتطرف.
وانخفضت شعبية ماكرون بشكل حاد وسط هذه الاضطرابات، وحذرت أصوات من مختلف الأطياف السياسية من أن إعادة تعيين لوكورنو قد تعمق الاستقطاب السياسي. ويواجه رئيس الوزراء الجديد تحديًا فوريًا في تشكيل حكومة قادرة على نيل الثقة البرلمانية، وعقد أول اجتماع وزاري، وبدء مفاوضات الميزانية وتقليص الإنفاق لمواجهة الضغوط الاقتصادية.
وتعكس هذه التطورات هشاشة المشهد السياسي الفرنسي الحالي وصعوبة الحكم دون أغلبية برلمانية مستقرة.