تدفقت مئات الآلاف من العمال والطلاب الفرنسيين إلى الشوارع في إطار إضراب منسق ضد خطة التقشف الحكومية المقترحة لعام ٢٠٢٦. النقابات الكبرى، بما فيها CGT وCFDT وFSU وSUD، دعت إلى هذه التعبئة للضغط على الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الجديد سيباستيان لوكورنو من أجل مراجعة أو إلغاء التخفيضات في الإنفاق العام، والإصلاحات المتعلقة بنظام التقاعد التي ترفع سن التقاعد، إضافة إلى إجراءات أخرى اعتبرها المحتجون انتقاصاً من الحماية الاجتماعية.
الاحتجاج شلّ الحياة العامة في مختلف أنحاء البلاد. فقد أوقف موظفو النقل العام حركة القطارات الإقليمية وخدمات النقل المحلية، مما أدى إلى اضطرابات حادة في مترو باريس الذي لم يعمل فيه سوى ثلاث خطوط آلية بدون سائق. كما أُغلقت المدارس، حيث انسحب نحو سدس المعلمين في التعليمين الأساسي والثانوي من صفوفهم، فيما نظم التلاميذ اعتصامات في عدد من الثانويات. وأغلقت الصيدليات بشكل شبه كامل، حيث أُغلق نحو تسعة أعشارها، بينما أعلنت المستشفيات عن نقص في الكوادر الطبية بسبب مشاركة العاملين في الإضراب.
السلطات قدّرت أعداد المشاركين بنحو ٥٠٠ ألف، بينما أكدت النقابات أن العدد اقترب من المليون، مع مشاركة عشرات الآلاف في باريس وحدها. ونشرت الشرطة ما يصل إلى ٨٠ ألف عنصر، مدعومين بطائرات مسيرة، وعربات مدرعة، ووحدات مدافع المياه، واعتقلت أكثر من ١٤٠ شخصاً. وفي باريس، استُخدم الغاز المسيل للدموع لتفريق مظاهرات غير مرخّصة، فيما شهدت مدن مرسيليا وليون وليل مواجهات أسفرت عن إصابات في صفوف الصحفيين والشرطة.
النقابات تطالب بوقف حزمة التقشف التي تبلغ ٤٤ مليار يورو، وزيادة الضرائب على الأثرياء، وتعزيز الاستثمار في الخدمات العامة. كما ترفض الإصلاح المتعلق بالتقاعد وتدعو لإلغائه بالكامل. من جانبها، تصر الحكومة على أن التخفيضات ضرورية لخفض العجز الذي يتجاوز بكثير الحد المسموح به في الاتحاد الأوروبي والمحدد بـ٣٪ من الناتج المحلي الإجمالي، لكن لوكورنو شدد على أن "الخيارات الصعبة" لا مفر منها رغم إبداء استعداده للحوار.
تأثير الإضراب الاقتصادي بدأ ينعكس سريعاً: ازدحام مروري خانق، تأخر في الرعاية الطبية بالمستشفيات، إغلاق مدارس، ونقص في الأدوية بسبب إغلاق الصيدليات، كلها عوامل زادت من غضب المواطنين. كما أعلنت شركة الكهرباء EDF عن خفض إنتاجها النووي بمقدار ١,١ جيجاواط مع مشاركة العمال في الحركة الاحتجاجية. ويحذر محللون من أن استمرار الاضطرابات قد يشلّ قدرة الحكومة على عرض الميزانية ويزيد من هشاشة المشهد السياسي، خاصة مع تراجع شعبية ماكرون إلى أدنى مستوياتها التاريخية، في وقت لم يتبقَّ له سوى ١٨ شهراً في منصبه.