دُفن في غزة ٥٤ جثمانًا فلسطينيًا مجهول الهوية بعد أن سلمتها السلطات الإسرائيلية عبر الصليب الأحمر الدولي ونُقلت على دفعات إلى مستشفى ناصر في خان يونس. وقالت إسرائيل إن الجثامين تعود لمقاتلين قُتلوا إما خلال هجمات ٧ أكتوبر أو في اشتباكات لاحقة، بينما أكدت مصادر طبية وحكومية في غزة أن معظم الجثامين لم تُعرف هويتها وأن العديد منها كان في حالة تحلل أو تشويه شديد.
وأفاد الأطباء بوجود علامات واضحة على التعذيب وسوء المعاملة على عدد كبير من الجثث، منها العيون المعصوبة والأيدي والأقدام المربوطة وجروح الرصاص في الرأس وحروق عميقة وأطراف مهشمة. ووصفت السلطات في غزة هذه الإصابات بأنها تتوافق مع “إعدامات ميدانية أو أعمال تعذيب”، مطالبة بتحقيق دولي في انتهاكات محتملة للقانون الإنساني الدولي. في المقابل، رفض ممثلو إسرائيل هذه الاتهامات وقالوا إن الجيش الإسرائيلي يلتزم بالقانون الدولي، معتبرين ما يروَّج من اتهامات “محاولات لتشويه صورة إسرائيل”.
وجرت عمليات التسليم من دون أي وثائق أو بطاقات تعريفية، إذ حمل كل جثمان بطاقة مرقمة فقط، ما أجبر العائلات المكلومة على محاولة التعرف إلى أحبائها من خلال صور محجوبة الهوية أو علامات صغيرة مثل الشامات والندوب أو قطع المجوهرات أو بقايا الملابس. وتعاني غزة من ضعف شديد في قدراتها الطبية الشرعية بسبب الحصار والدمار، إذ تفتقر المستشفيات إلى مختبرات الحمض النووي وأجهزة الفحص المتقدمة، الأمر الذي جعل تأكيد الهوية شبه مستحيل في معظم الحالات. ووفقًا للسلطات المحلية، لم يُتعرف إلا على عدد محدود من الجثث حتى الآن.
وجاءت عملية التسليم ضمن ترتيبات هدنة بوساطة دولية، تعهدت إسرائيل بموجبها بإعادة جثامين فلسطينيين مقابل تسليم بقايا رهائن إسرائيليين، غير أن حالة الجثامين وطريقة تسليمها وغياب الشفافية حول العملية أثارت دعوات متزايدة لإجراء تحقيقات محايدة ووضع آليات واضحة للتسليم والتوثيق. وقال عاملون في المجال الإنساني إن عمليات إعادة الجثامين، رغم نيتها تخفيف معاناة العائلات، عمّقت الألم النفسي لدى الأهالي الذين واجهوا جثامين مشوهة وصعوبات كبيرة في التأكد من هوية أحبائهم المفقودين.
وتعكس عمليات الدفن المأساوية أزمات أوسع في القطاع، تشمل انهيار النظام الصحي والبنية التحتية الجنائية، والدمار الهائل للمنازل والخدمات، إضافة إلى المعاناة النفسية والاجتماعية الحادة لعائلات تبحث عن وداع لائق لمفقوديها وسط ظروف إنسانية كارثية.