تشهد تايوان طفرة غير مسبوقة في قطاع أشباه الموصلات جعلتها في صدارة الاقتصاد العالمي وأنتجت ثروات ضخمة، لكنها في الوقت نفسه عمّقت فجوات اجتماعية وإقليمية واضحة، حيث يواجه جزء كبير من السكان ركودًا في مستويات المعيشة رغم النمو القوي في الناتج المحلي الإجمالي. وتشير البيانات الرسمية إلى أن متوسط نصيب الفرد من الثروة بلغ نحو ٩٫١٧ مليون دولار تايواني جديد (ما يعادل تقريبًا ٢٩٩,٣٠٠ دولار أميركي)، غير أن الفجوة بين الأغنى والأفقر اتسعت بشدة؛ إذ ارتفعت نسبة صافي الأصول التي يملكها أغنى ٢٠٪ مقارنة بأفقر ٢٠٪ من ١٦٫٨ عام ١٩٩١ إلى ٦٦٫٩ عام ٢٠٢١. كما تقلّصت الطبقة الوسطى إلى نحو ٣٠٫٤٪ من إجمالي السكان بعد ثلاثة عقود من الاستقطاب الاجتماعي.
الضغوط المعيشية غيّرت ملامح حياة الأسر وخياراتها. فالعاملون من ذوي الدخل المتوسط، الذين يتقاضون بين ٤٠,٠٠٠ – ٥٠,٠٠٠ دولار تايواني جديد شهريًا (حوالي ١,٣٠٥ – ١,٦٣٢ دولارًا أميركيًا)، يقرّون بأنهم باتوا يقلصون إنجاب الأطفال ويكدّسون مدخرات لتأمين رعاية طويلة الأمد حتى لا يشكّلوا عبئًا على أقاربهم. ويُعزى التراجع الحاد في معدلات الخصوبة إلى ارتفاع تكاليف تربية الأطفال وغلاء السكن، وهو ما يهدد مستقبل المعروض من القوى العاملة. أما الأسر ذات الدخل المنخفض فتحمل أعباء ديون ثقيلة؛ إذ يبلغ متوسط التزامات الشريحة الأدنى دخلًا قرابة ٤٫٠٥ مليون دولار تايواني جديد، ما يجعلها شديدة الهشاشة أمام أي صدمات في الدخل أو أسعار الفائدة.
وتُعد أزمة السكن أبرز مظاهر التفاوت؛ إذ يقترب مؤشر سعر المنازل إلى الدخل في تايبيه من ٢٠، بينما قفزت أسعار العقارات في محيط مصانع أشباه الموصلات، لتصبح بعيدة المنال عن الأسر غير العاملة في القطاع. ويساهم قطاع الرقائق، بقيادة شركة TSMC والموردين الكبار، بما يقارب ٢٠ – ٢٥٪ من الناتج المحلي، مع تمركز المكاسب في شمال البلاد، ولا سيما في مدينتي هسينشو وتايبيه، ما يعمّق الفجوة بين الشمال والجنوب في الأجور والخدمات والاستثمارات.
أما تراكم الثروات لدى الأثرياء فقد بلغ مستويات لافتة، حيث شهدت ممتلكات أغنى الأفراد زيادات هائلة في الوقت الذي ظلت فيه وتيرة نمو الأجور خارج دائرة التكنولوجيا بطيئة. هذا التباين يعيد صياغة المشهد السياسي والاجتماعي، ويثير دعوات متزايدة لتدخل حكومي فاعل. وتشمل المقترحات المطروحة مزيجًا من السياسات الحكومية والإجراءات المؤسسية: مثل توفير ترتيبات عمل مرنة ودعم رعاية الأطفال لتخفيف ضغوط الحياة العملية، وتوسيع معروض الإسكان الميسور مع تقديم مساعدات للإيجار، وتحفيز النمو في الجنوب عبر اللامركزية الاستثمارية والبنية التحتية، إضافة إلى برامج إعادة تدريب ورفع الأجور في القطاعات غير التكنولوجية، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الأسر المثقلة بالديون. ويحذر الخبراء من أنه من دون إصلاحات مالية وصناعية منسقة، فإن طفرة الرقائق قد تتحول من محرك للنمو إلى عامل يُكرّس عدم المساواة ويقوّض التماسك الاجتماعي في تايوان.