ألقى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خطاباً مطولاً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، هاجم فيه بشدة الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مدناً إيرانية ومنازل ومنشآت مدنية وبنى تحتية أساسية، وذلك في وقت كانت فيه المحادثات الدبلوماسية بين إيران والقوى الغربية لا تزال جارية. وقال إن هذه الاعتداءات شكلت "ضربة قاسية" للثقة الدولية، واعتبرها "خيانة فادحة للدبلوماسية وإضعافاً مباشراً للجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة".
وبينما كان يرفع صور ضحايا الهجمات أمام الحضور، أضاف بزشكيان: "ما تشاهدونه في هذه الصور ليس سوى مجازر منظمة بحق الأطفال والنساء. إنه سجل أسود من القتل نفذته إسرائيل داخل أراضينا ضد شعبنا، نساءً وأطفالاً وشباباً، وكل ذلك يتم تحت ذرائع زائفة باسم حماية السلام والأمن في الشرق الأوسط". وشدد على أن مثل هذه الجرائم لن تدفع إيران إلى الاستسلام، بل ستزيد من تمسكها بمبادئها واستقلالها.
الرئيس الإيراني أكد أن بلاده تملك تاريخاً عريقاً وصموداً راسخاً، واصفاً إيران بأنها "أقدم حضارة مستمرة في العالم" صمدت في وجه جميع التحديات عبر آلاف السنين. وقال: "رغم أقسى وأطول العقوبات الاقتصادية التي فرضت علينا، ورغم الحرب النفسية، والحملات الإعلامية المضللة، والمؤامرات التي حاولت تقسيم صفوفنا، فإن الشعب الإيراني ظل منذ الطلقة الأولى موحداً خلف قواته المسلحة. اليوم، ما زال هذا الشعب يكرم دماء شهدائه ويواصل السير على نهج المقاومة".
وفي جانب آخر من خطابه، أوضح بزشكيان أن الضغوط الأميركية التي تطالب إيران بوقف تخصيب اليورانيوم وتفكيك برنامجها النووي تمثل "إملاءات لا مفاوضات"، مشيراً إلى أن بلاده أصبحت من بين دول قليلة في العالم قادرة على الوصول إلى مستوى تخصيب ٦٠٪، وهو مستوى يكفي للاستخدامات السلمية. وأكد أنه لا نية لإيران في إنتاج أسلحة نووية، لكنه شدد على أن هذه القدرات العلمية والنووية تمثل إنجازاً وطنياً لن يتم التخلي عنه.
كما أشار إلى لقاء جمعه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، حيث تم التطرق إلى مستقبل الاتفاق النووي. وقال بزشكيان إن "الحل النهائي للخلاف مع الغرب بشأن البرنامج النووي الإيراني أصبح في متناول اليد إذا التزمت الأطراف كافة بمبدأ العدالة واحترام الحقوق المتبادلة". من جانبه، أعلن ماكرون أن هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق مع إيران وألمانيا وبريطانيا لتأجيل إعادة فرض العقوبات الأممية، لكنه حذر من أن "الوقت قصير جداً ولم يتبق سوى ساعات قبل انتهاء مهلة الثلاثين يوماً في ٢٧ سبتمبر".
وكانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا قد أطلقت في ٢٨ أغسطس عملية قانونية مدتها ٣٠ يوماً لإعادة فرض العقوبات الدولية على طهران، متهمة إيران بعدم الالتزام بتعهداتها ضمن اتفاق ٢٠١٥ الذي أبرم مع القوى الكبرى لمنعها من تطوير سلاح نووي. وبحسب بزشكيان، فإن هذه الخطوات تمثل استخداماً خاطئاً لآليات الاتفاق، وتكشف عن ازدواجية المعايير في التعامل مع الملف النووي.
وأكد الطرفان في ختام اللقاء أن حل القضايا العالقة يمكن أن يفتح الباب أمام تعزيز التعاون الثنائي والتوسع في العلاقات الاقتصادية والسياسية. ماكرون شدد بدوره على أهمية استمرار الحوار كطريق وحيد لحل الخلافات، معتبراً أن أي محاولة لفرض الإملاءات أو التصعيد العسكري لن تؤدي إلا إلى تعقيد الأوضاع.
بهذا الخطاب، أراد بزشكيان أن يبعث برسالة مزدوجة: أولاً، التأكيد على صمود إيران في وجه الهجمات الإسرائيلية والعقوبات الغربية، وثانياً، إظهار استعداد بلاده للتوصل إلى تسوية عادلة ومتوازنة بشأن الملف النووي إذا ما توافرت الإرادة السياسية لدى الأطراف الأخرى.