توقفت مدينة قابس التونسية بالكامل بعد إضراب عام نظمه الاتحاد العام التونسي للشغل شارك فيه عشرات الآلاف من السكان، حيث أُغلقت المتاجر والأسواق والمدارس ووسائل النقل في احتجاجات جماهيرية طالبت بإغلاق المجمع الكيميائي الحكومي المتهم بالتسبب في تلوث بيئي مزمن. واتهم المتظاهرون مصنع الفوسفات التابع للمجموعة الكيميائية التونسية (GCT) بإطلاق نفايات وانبعاثات سامة قالوا إنها رفعت معدلات الإصابة بالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي، وتسببت في تدمير الثروة السمكية المحلية وإلحاق أضرار جسيمة بالنظام البيئي الساحلي. وسار المحتجون رافعين لافتات كتب عليها “تفكيك الوحدات الملوثة” ورددوا شعارات تقول إن “قابس تريد أن تعيش”. وحين حاول بعضهم الاقتراب من المصنع، اندلعت مواجهات مع قوات الأمن التي استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود.
وتشكّل هذه الاحتجاجات تحديًا كبيرًا للرئيس قيس سعيّد الذي وصف الوضع في قابس بأنه “اغتيال بيئي”، ملقيًا اللوم على السلطات السابقة بسبب ما سماه “خيارات إجرامية” أضرت بالصحة العامة والبيئة. لكن المتظاهرين رفضوا التصريحات الرسمية وطالبوا بإجراءات عاجلة وحاسمة لإغلاق الوحدات الملوثة، مؤكدين أن الحلول التدريجية والوعود الحكومية لم تعد كافية. وأعلنت وزارة الصحة عن خطط لبناء مستشفى خاص لعلاج السرطان في قابس استجابة لارتفاع عدد الحالات، لكنها لم تقدم جدولًا زمنيًا واضحًا، ما زاد من حدة الاستياء الشعبي.
وكشف تقرير تدقيق بيئي أجرته المجموعة الكيميائية في يوليو عن انتهاكات جسيمة للمعايير البيئية المحلية والدولية داخل المصنع، مشيرًا إلى تصريف يومي يُقدّر بنحو ١٤٬٠٠٠ إلى ١٥٬٠٠٠ طن من الفوسفوجيبسوم في مياه البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب انبعاثات عالية من الأمونيا وأكاسيد النيتروجين والكبريتات. وأفادت جمعيات بيئية وصيادو أسماك محليون بانخفاض حاد في المخزون السمكي خلال العقد الماضي، ما أدى إلى تدهور مصدر رئيسي للدخل وزيادة المعاناة الاقتصادية في المنطقة.
ويعكس الإضراب والاحتجاجات التوترات الاجتماعية المتصاعدة في تونس، حيث تسببت الأزمة المالية العميقة والبطالة المرتفعة والانقطاعات المتكررة للخدمات في تأجيج السخط الشعبي. وتواجه السلطات معضلة صعبة تتمثل في الاستجابة للمطالب الصحية والبيئية الملحة في قابس مع الحفاظ على إنتاج الفوسفات، أحد أهم مصادر العملة الصعبة في البلاد. ويخشى المسؤولون من أن يؤدي اتساع رقعة الاضطرابات في قابس إلى انتقالها إلى مناطق أخرى تشهد بدورها احتجاجات على ضعف الخدمات الأساسية، ما يزيد من المخاطر السياسية على الحكومة.
وتبقى الأزمة مفتوحة على المجهول، إذ يطالب سكان قابس بإجراءات ملموسة وفورية لوقف التلوث وحماية صحتهم، بينما تدرس الحكومة الخيارات الاقتصادية واللوجستية المعقدة لإغلاق أو إعادة هيكلة هذا الموقع الصناعي الحيوي دون الإضرار بعائدات الدولة.