شهدت مدينة كولونيا الألمانية خروج آلاف المتظاهرين في مسيرة من أجل السلام ورفض سياسات العسكرة، قادها في الغالب شباب ومراهقون ينتمون إلى حركة "نزع سلاح راينمتال" (Disarm Rheinmetall) ونظمها منتدى السلام في كولونيا. ورغم أن الفعالية حصلت على موافقة قضائية مسبقة، فإنها قوبلت برد أمني غير مسبوق، حيث تدخلت الشرطة بعنف واسع النطاق أدى إلى إصابة نحو ۱۰۰ متظاهر بجروح متفاوتة واعتقال ثلاثة أشخاص بشكل كامل، إضافة إلى توجيه تهم خطيرة لما يقارب ۸۰۰ شخص بتهمة "الإخلال الجسيم بالسلم".
السلطات دفعت بما يقارب ۱۶۰۰ شرطي يرتدون معدات مكافحة الشغب مدعومين بمدرعات وآليات لرش المياه، كما فرضت ما يُعرف بـ"التطويق الجماعي" على مئات المتظاهرين لأكثر من ۱۱ ساعة، ومنعت تقدم المسيرة بذريعة وجود مخالفات مثل ارتداء الأقنعة أو حمل أدوات معدنية محظورة. الشرطة بررت التصعيد باتهام بعض المحتجين بمهاجمة أفرادها وخرق قواعد التجمع، لكنها أنهت المسيرة قبل وصولها إلى منتصف خط سيرها المقرر.
أثناء عملية القمع استخدمت القوات الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل والقوة الجسدية لتفريق نحو بضع مئات من المتظاهرين، ما أسفر عن إصابة العشرات، بينهم حالة خطرة في الحنجرة أثارت مخاوف على حياة المصاب. فرق الإسعاف التطوعية أكدت أنها عالجت ما لا يقل عن ۱۴۷ حالة إصابة تتراوح بين الاختناق والرضوض والجروح الداخلية. كما جرى احتجاز بيانات شخصية لما يزيد عن ۵۲۴ شخصًا أثناء عملية التوقيف الجماعي.
الإجراءات القمعية أثارت موجة استنكار واسعة من منظمات المجتمع المدني، التي وصفت التعامل الأمني بأنه "مفرط وغير مبرر" ضد حدث سلمي هدفه التثقيف والتوعية. مراقبون من الصحافة ومن حزب اليسار الألماني الذين حاولوا متابعة التطورات تعرضوا بدورهم للمضايقة والاعتقال المؤقت، ما زاد من المخاوف بشأن حرية العمل الإعلامي والرقابي.
يرى ناشطون أن ما حدث في كولونيا يمثل تصعيدًا خطيرًا في تعامل الدولة مع الاحتجاجات المناهضة للحرب والتسلح، خصوصًا وأن الحركة الشبابية المناهضة لشركة راينمتال – أحد أكبر منتجي السلاح في أوروبا – تزداد توسعًا وشعبية. الأحداث الأخيرة تطرح تساؤلات حادة حول مستقبل حقوق التظاهر والتجمع في ألمانيا، وحول الحدود الفاصلة بين الأمن العام وحق المواطنين في التعبير السلمي.