أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تعيين وزير الدفاع السابق سيباستيان لوكورنو رئيسًا جديدًا للوزراء، في خطوة تعكس رغبته في إحكام قبضته على الحكومة وتعزيز خطته للإصلاحات الاقتصادية الموجهة لقطاع الأعمال، وذلك بعد إطاحة رئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو إثر تصويت بحجب الثقة داخل البرلمان. هذه التغييرات المتكررة على رأس الحكومة الفرنسية ـ خمس مرات خلال أقل من عامين ـ تعكس هشاشة الوضع السياسي والضغوط المتزايدة التي يواجهها الرئيس مع اقتراب استحقاقات تشريعية صعبة.
لوكورنو، البالغ من العمر ۳۸ عامًا، بدأ مسيرته السياسية في صفوف المحافظين التقليديين وتدرج تحت إشراف الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، قبل أن ينضم إلى معسكر ماكرون الوسطي. وقد برز مؤخرًا كأحد أبرز المقربين من ماكرون بعدما تولى إدارة خطة تسليح تاريخية بقيمة ٤۱۳ مليار يورو تهدف إلى تحديث الجيش الفرنسي في ظل الحرب الروسية الأوكرانية. هذا التعيين يترجم ثقة ماكرون بولاء لوكورنو، لكنه قد يفاقم الخلاف مع أحزاب اليسار، وخصوصًا الحزب الاشتراكي، ويزيد من احتمالية اعتماد الحكومة على أصوات التجمّع الوطني اليميني المتطرف لتمرير القوانين.
ردود الأفعال لم تتأخر؛ فقد أعلن حزب فرنسا الأبية بقيادة جان-لوك ميلونشون أنه سيطرح مذكرة جديدة لحجب الثقة، بينما أبدى التجمّع الوطني انفتاحًا على التعاون في ملف الميزانية المقبلة رغم الخلافات الجوهرية حول السياسات الضريبية والهجرة. لوكورنو يواجه تحديًا فوريًا يتمثل في التفاوض مع الكتل البرلمانية لتأمين تمرير ميزانية الدولة، وهو اختبار سياسي حاسم قبل الإعلان عن تشكيلته الحكومية النهائية.
في الشارع، تصاعدت موجة احتجاجات واسعة تحت شعار "أوقفوا كل شيء"، حيث خرجت نقابات عمالية وطلاب وحركات اجتماعية للمطالبة بإصلاحات أكثر عدالة في توزيع الثروة ورفض السياسات التقشفية. المحتجون يتهمون الحكومة بالانفصال عن هموم الشارع، فيما يحذر محللون من أن اتساع رقعة الغضب الشعبي قد يعمّق أزمة الديمقراطية التمثيلية في فرنسا.
ماكرون، الذي يواجه تراجعًا في شعبيته، يجد نفسه أمام معادلة صعبة: المضي قدمًا في الإصلاحات الليبرالية لجذب الاستثمارات وتعزيز النمو، أو الانحناء أمام ضغوط الشارع والأحزاب المعارضة. مستقبل حكومته سيتحدد إلى حد كبير بقدرة لوكورنو على بناء تحالفات متينة وتبديد المخاوف من تحوّل المشهد السياسي نحو المزيد من الانقسام والتطرّف.