ناوالعربية

قرويو الجزائر يحافظون على تقليد الملح

في قرية بليعل الواقعة في جبال القبائل الجزائرية، يواصل السكان الحفاظ على تقليد قديم يعود لقرون، يتمثل في استخراج الملح يدويًا من بحيرة طبيعية مالحة تقع على ارتفاع شاهق. وتعتمد العملية على أسلوب التبخير الشمسي، حيث يُوجّه الماء إلى أحواض ضحلة، ثم يُترك لعدة أيام حارة ليتبخر تدريجيًا، تاركًا وراءه بلورات غنية بالمعادن يقوم العمال […]

قرويو الجزائر يحافظون على تقليد الملح
في قرية بليعل الواقعة في جبال القبائل الجزائرية، يواصل السكان الحفاظ على تقليد قديم يعود لقرون، يتمثل في استخراج الملح يدويًا من بحيرة طبيعية مالحة تقع على ارتفاع شاهق. وتعتمد العملية على أسلوب التبخير الشمسي، حيث يُوجّه الماء إلى أحواض ضحلة، ثم يُترك لعدة أيام حارة ليتبخر تدريجيًا، تاركًا وراءه بلورات غنية بالمعادن يقوم العمال بجمعها يدويًا باستخدام المجارف، قبل غسلها وتجفيفها تحت أشعة الشمس تمهيدًا لبيعها. العمال المحليون يعتبرون هذه المهنة بمثابة "بركة موروثة". ويقول موهوش أولها، البالغ من العمر ٦٣ عامًا، إنه يمارس هذه الحرفة منذ ٢٧ عامًا، مشيدًا بجودة الملح وفوائده في الطهي والعلاج الشعبي. تستغرق دورة الحصاد ما بين ٤ و٩ أيام بحسب شدة الحرارة، حيث قد تصل درجات الحرارة خلال الموسم إلى ٤٧ درجة مئوية، مما يجعل العمل شاقًا ومرهقًا جسديًا. ويتولى كبار السن وأصحاب الخبرة قيادة العملية، حيث ينقلون تقنيات وأساليب الحصاد عبر التعلّم بالممارسة والتدريب المباشر بدلًا من التوثيق المكتوب. خلال موسم الحصاد يُقام سوق أسبوعي يجذب المشترين من القرى والمناطق المجاورة. ويعرض السوق ملح بليعل إلى جانب منتجات جبلية أخرى مثل التين وزيت الزيتون والفلفل الحار والأعشاب الطبية. ويباع الكيلوغرام الواحد من الملح بحوالي ٩٠ دينارًا (ما يعادل نحو ٠٫٧٠ دولارًا أميركيًا). ورغم أن الإنتاج الصناعي الحديث يهيمن على تلبية احتياجات السوق الوطنية من الملح، إلا أن منتج بليعل التقليدي يظل مصدر رزق محلي أساسي ويحافظ على هوية اقتصادية في منطقة تعاني من تحديات معيشية وفرص عمل محدودة. تاريخيًا، كان ملح هذه المرتفعات يُتاجر به عبر شمال إفريقيا وصولًا إلى أوروبا، وكان يُقدَّر لطعمه المميز وللاستخدامات الطبية التقليدية المرتبطة بمحتواه المعدني. واليوم، لا يزال الحصاد يشكل رمزًا ثقافيًا وركيزة للهوية المحلية، حيث تبقى التقنية دون تغيير: الكشط اليدوي، الغسل لإزالة الشوائب، والتجفيف الشمسي، مما يجعلها صلة حية بين الماضي والحاضر. وتقع السبخة ضمن نطاق جبال الأطلس التي تتميز بقمم وعرة ووديان خصبة، حيث ما زالت العديد من القرى تحافظ على ممارسات الأجداد. إن استمرار حصاد الملح في بليعل يعكس التباين الأوسع في الجزائر بين مسار النمو الصناعي السريع من جهة، وبقاء جيوب من الاقتصاد التقليدي من جهة أخرى. بالنسبة للأهالي، فإن الأمر يتجاوز التجارة ليصبح شكلاً من أشكال الاستمرارية الثقافية، وحفاظًا ملموسًا على المعرفة والهوية التي تنتقل عبر الأجيال وتستمر بفضل المشاركة الجماعية، رغم قسوة المناخ وضعف مظاهر التحديث.

اقرأ أيضاً