أجرت سوريا أول انتخابات برلمانية منذ الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد، في خطوة وصفتها السلطات بأنها منعطف تاريخي على طريق الانتقال السياسي، فيما رافقتها تساؤلات واسعة حول الشرعية والتمثيل. وقالت اللجنة العليا للانتخابات إن ما يقرب من ٦٠٠٠ ناخب معتمد شاركوا في العملية تحت إشراف الإطار الانتقالي الجديد، وإن الاقتراع جرى في أجواء "منظمة وهادئة" في معظم المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المؤقتة برئاسة أحمد الشرع.
تكوّن البرلمان الجديد من ٢١٠ أعضاء، تم اختيار ثلثي المقاعد عبر كليات انتخابية محلية في المحافظات، بينما عُيّن الثلث المتبقي مباشرة من قبل الرئيس المؤقت. وأكدت السلطات أن مراكز الاقتراع فتحت في الموعد المحدد وشهدت إقبالًا متفاوتًا من الناخبين، وأن العملية سارت دون حوادث كبيرة، مع تواجد أمني وإداري مكثّف لضمان النظام.
غير أن التصويت لم يشمل جميع أنحاء البلاد. فقد تأجلت الانتخابات في بعض المناطق بسبب عقبات أمنية أو إدارية، خصوصًا في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية وفي محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، ما ترك بعض الدوائر دون تمثيل فوري وعددًا من المقاعد شاغرًا مؤقتًا. ويُظهر هذا التفاوت استمرار تفتت السيطرة وصعوبة تنفيذ اقتراع شامل في بلد ما زال يتعافى من حرب طويلة وانقسامات ميدانية.
يرى أنصار الحكومة المؤقتة أن هذه الانتخابات تمثل خطوة حيوية لإعادة بناء الدولة بعد ١٤ عامًا من الحرب الأهلية والانهيار السياسي الذي بلغ ذروته مع سقوط النظام السابق في ديسمبر ٢٠٢٤. ويقولون إن وجود مجلس شعب منتخب هو شرط أساسي لصياغة دستور جديد وتنظيم مشاريع إعادة الإعمار واستعادة الخدمات العامة وإطلاق مسار مصالحة وطنية وإصلاح إداري.
لكن المنتقدين في الداخل والخارج يرون أن العملية الانتخابية تفتقر إلى الشفافية والشمول، إذ إن اعتماد نظام الكليات الانتخابية المحلية لتخصيص أغلبية المقاعد، إلى جانب منح الرئيس المؤقت سلطة تعيين الثلث الباقي، يحدّ من المشاركة الشعبية ويمنح السلطة التنفيذية نفوذًا واسعًا على تشكيل السلطة التشريعية.
وتؤكد اللجنة العليا أن النتائج النهائية ستُعلن خلال الأيام المقبلة، يليها افتتاح رسمي لدورة مجلس الشعب الجديد الذي سيبدأ مهامه التشريعية تحت إشراف الإدارة الانتقالية، في وقت يأمل فيه السوريون أن تفتح هذه الخطوة الطريق أمام مرحلة من الاستقرار السياسي وإعادة الإعمار الشامل.