دخل الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة مرحلة جمود طويلة مع إشارة المشرعين من الحزبين إلى استعدادهم لمواجهة مأزق ممتد. وحذر وزير الخزانة سكوت بيسنت من أن التوقف يلحق ضررًا اقتصاديًا بالغًا، وقد يكلف الاقتصاد الأميركي نحو ١٥ مليار دولار يوميًا، مؤكدًا أن الإغلاق يبطئ طفرة الاستثمارات الجارية، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. وجاءت تصريحاته بالتزامن مع اجتماعات لزعماء الاقتصاد والمال العالميين في واشنطن الذين أعربوا عن قلقهم من تداعيات الأزمة.
وأدى الإغلاق إلى تعطيل نشر بيانات اقتصادية أساسية، ما يعقّد عملية اتخاذ القرار بالنسبة للشركاء الدوليين. وقال مسؤول ياباني إن الوضع الحالي يجعل الاقتصاد “أعمى البيانات”، وهو ما يضعف قدرة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على توجيه سياساته النقدية القائمة على المؤشرات. وفشل مجلس الشيوخ في تمرير مشروع قانون أقره مجلس النواب لتمويل الحكومة حتى ٢١ نوفمبر، بعدما امتنع الديمقراطيون عن التصويت للضغط من أجل إصلاحات تتعلق بالرعاية الصحية. وأعلنت الإدارة الأميركية نيتها خفض مزيد من البرامج، إذ صرح الرئيس بأن حكومته ستنشر قريبًا قائمة بالمؤسسات التي سيتم إغلاقها نهائيًا نتيجة الإغلاق.
وامتدت الآثار التشغيلية على نطاق واسع، حيث تلقى آلاف الموظفين الفدراليين إخطارات بالتسريح أو الإجازات القسرية، فيما قلصت الوكالات الحكومية الموافقات التنظيمية وصرف المنح. كما أبلغت شركات خاصة عن تأخيرات في العقود والمشاريع بسبب توقف التمويل الحكومي. ويحذر خبراء الاقتصاد من أن حتى الإغلاق القصير قد يؤثر سلبًا في التوظيف والاستثمار وسلاسل الإمداد، ما يحوّل الخسائر الأسبوعية إلى عبء أكبر على الناتج المحلي الإجمالي إذا طال أمد الأزمة.
وزاد المشهد تعقيدًا مع تطورات قانونية جديدة، إذ أمر قاضٍ فيدرالي بولاية كاليفورنيا الإدارة بوقف عمليات التسريح الجماعي لحين النظر في دعاوى النقابات التي تصفها بأنها غير قانونية. سياسياً، ظل الانقسام حادًا، حيث يبرر الديمقراطيون موقفهم بأنه دفاع عن الخدمات العامة والرعاية الصحية، بينما يؤكد الجمهوريون تمسكهم بالأولويات المالية وخفض الإنفاق، ما أبقى المفاوضات في طريق مسدود.
وأشار بيسنت إلى تحسن مالي طفيف، موضحًا أن عجز الموازنة لعام ٢٠٢٥ قد تراجع، وأن نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن تنخفض إلى نحو ٣٪ إذا استمر النمو والانضباط المالي، لكنه حذر من أن استمرار الإغلاق لفترة طويلة سيُضعف آفاق الاقتصاد عبر تباطؤ النمو وارتفاع تكاليف الاقتراض. وتراقب الأسواق والمستثمرون الوضع عن كثب بحثًا عن مؤشرات على تداعيات اقتصادية أوسع.
ويؤكد خبراء أن الكلفة النهائية للأزمة تعتمد على مدتها: فالحل السريع سيحصر الأضرار في خسائر مؤقتة بالناتج ومعاناة الموظفين المسرّحين، أما استمرار الإغلاق فسيؤدي إلى تراجع أعمق في النمو والتوظيف والاستثمار. ومع تصاعد الضغوط الشعبية والاقتصادية، يجد المشرعون أنفسهم أمام تحدٍّ متزايد لإيجاد تسوية عاجلة تعيد عمل الحكومة وتوقف النزيف المالي المتزايد.