أظهرت البيانات الرسمية أن الاقتصاد الصيني نما بنسبة ٤٫٨٪ على أساس سنوي خلال الربع الثالث، في أداء ينسجم مع توقعات المحللين، لكنه يعكس استمرار التحديات الناتجة عن الركود العقاري الطويل وضعف الاستهلاك الداخلي وتزايد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة. وسجل الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعًا بنسبة ١٫١٪ مقارنة بالربع السابق، متجاوزًا التوقعات قليلًا وأعلى من الزيادة المعدلة البالغة ١٫٠٪ في الربع الثاني. وتستهدف بكين نموًا سنويًا يقارب ٥٪ لعام ٢٠٢٥.
وجاءت مؤشرات القطاعات الشهرية متباينة، إذ تسارع الإنتاج الصناعي مسجلًا ارتفاعًا بنسبة ٦٫٥٪ في سبتمبر مقارنة بالعام السابق، متجاوزًا التقديرات، في حين ارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة ٣٫٠٪، بما يتماشى مع التوقعات لكنها أبطأ من أغسطس. أما الاستثمارات في الأصول الثابتة فانخفضت بنسبة ٠٫٥٪ منذ بداية العام حتى سبتمبر، فيما تراجعت استثمارات القطاع العقاري بنسبة ١٣٫٩٪، مما عمّق أثر الركود في سوق الإسكان. وتُبرز هذه المؤشرات ضعف الطلب المحلي رغم بقاء الصادرات عنصر دعم نسبي للقطاع الصناعي.
وقال اقتصاديون إن معدل النمو الإجمالي جاء متوافقًا مع التوقعات لكنه يفتقر إلى الزخم الكافي. ويتوقع بعض المحللين أن تلجأ الحكومة إلى إجراءات مالية موجهة بدلًا من حزم تحفيز واسعة، مشيرين إلى الأدوات الأخيرة وخطة مالية بقيمة ٥٠٠ مليار يوان تهدف إلى تعزيز الإنفاق العام. ويرجّح أن تعتمد بكين على هذه التدخلات الانتقائية مع الحفاظ على مساحة مرونة لمواجهة الصدمات المستقبلية.
وتبقى التوترات التجارية مع واشنطن مصدر خطر رئيسي، إذ تضيف القيود الجديدة على صادرات المعادن النادرة والتهديدات الأميركية بفرض رسوم إضافية حالة من عدم اليقين أمام الصادرات الصينية، رغم مؤشرات متبادلة على الاستعداد لخفض التصعيد. ويرى محللون أن متانة الصادرات قد تعود جزئيًا إلى تسريع تنفيذ الطلبات الخارجية قبل فرض أي قيود جديدة، وهي وتيرة قد تتراجع لاحقًا.
ويتوقع المراقبون أن يكون الربع الرابع أكثر اعتمادًا على الاستثمارات وأقل على الاستهلاك، مع تكثيف استخدام أدوات التمويل وإصدار السندات الحكومية لدعم مشاريع البنية التحتية والإنفاق العام. ورغم أن تحقيق هدف النمو السنوي يبدو ممكنًا وفق أداء الأشهر التسعة الأولى، حذرت مؤسسات مالية من مخاطر تراجع في الربع الأخير وامتداد هذا التباطؤ إلى عام ٢٠٢٦، متوقعة نموًا في حدود ٤٪ ما لم يحدث انتعاش أقوى في الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار.
وتؤكد هذه البيانات الصورة المعروفة لاقتصاد الصين حاليًا: تعافٍ محدود من تبعات الجائحة، وتقلص مستمر في قطاع العقارات، وهشاشة أمام الصدمات الخارجية التي تبقي صانعي السياسات تحت ضغط لمواصلة دعم النمو بحذر وتوازن.