شهدت العاصمة كاتماندو واحدة من أعنف الاضطرابات في تاريخ نيبال الحديث، بعد أن تحولت مظاهرات سلمية إلى صدامات دامية مع قوات الأمن. المتظاهرون حاولوا اقتحام مبنى البرلمان للتعبير عن غضبهم من قرار الحكومة حجب وسائل التواصل الاجتماعي واتهامات متكررة بالفساد المستشري في مؤسسات الدولة. السلطات أكدت أن حصيلة الضحايا بلغت ١٩ قتيلًا وأكثر من ١٠٠ مصاب، بينهم ٢٨ شرطيًا، في حين وصفت منظمات حقوقية ما جرى بأنه “مجزرة بحق الشباب الغاضب.”
الحكومة كانت قد أعلنت فجأة عن إغلاق منصات مثل فيسبوك وتيك توك وإنستغرام بحجة محاربة الأخبار الكاذبة وخطاب الكراهية، وهو ما اعتبره الشباب اعتداءً على حقهم في التعبير. هؤلاء أطلقوا على حراكهم اسم “جيل نيبال الجديد” وأكدوا أنه لا يمثل فقط رفضًا للرقابة بل صرخة ضد الفساد وغياب العدالة الاجتماعية.
المواجهات اندلعت حين حاول آلاف المتظاهرين اختراق المتاريس الأمنية أمام البرلمان، مرددين شعارات تطالب باستقالة الحكومة وإنهاء المحسوبيات. قوات مكافحة الشغب ردت باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، بينما لجأ بعض المحتجين إلى إشعال الحرائق في سيارات إسعاف ومبانٍ حكومية صغيرة. الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام أظهرت شبانًا يحملون لافتات كتب عليها “لا للفساد” و“أعيدوا حريتنا الرقمية.”
الاحتجاجات لم تقتصر على العاصمة، إذ امتدت إلى مدينة إيتاهاري شرق البلاد حيث قُتل شخصان إضافيان. مراقبون محليون أكدوا أن الأزمة الحالية تعكس خيبة أمل واسعة بين الشباب الذين يهاجر كثير منهم للعمل أو الدراسة بسبب غياب الفرص داخل البلاد.
أمام هذا الانفجار الشعبي، أعلنت الحكومة رفع الحجب عن وسائل التواصل الاجتماعي بعد ساعات من اندلاع المواجهات، لكنها فرضت حظر تجول صارم في عدة مناطق واستدعت قوات الجيش لتعزيز الأمن. كما أعلن وزير الداخلية استقالته “تحملًا للمسؤولية الأخلاقية” عن سقوط الضحايا، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي.
منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية أدانت “الاستخدام المفرط للقوة” وطالبت بتحقيق مستقل، مشيرة إلى أن سقوط هذا العدد الكبير من القتلى يشير إلى استخدام الذخيرة الحية. الأزمة كشفت هشاشة العلاقة بين الدولة وشبابها، ورسخت شعورًا متزايدًا بأن النظام عاجز عن الإصلاح.
المحللون يرون أن ما يحدث قد يكون نقطة تحول تاريخية في نيبال، حيث يطالب جيل جديد بحرية التعبير، مكافحة الفساد، وفرص اقتصادية عادلة، معتبرين أن تجاهل هذه المطالب قد يفتح الباب أمام مزيد من الفوضى والعنف السياسي في البلاد.