تواجه بوليفيا أزمة وقود خانقة أدت إلى شلل شبه تام في قطاعات النقل والبناء والزراعة، وأشعلت موجة من الاحتجاجات والإغلاقات في شوارع المدن الكبرى، ما يعقّد الاستعدادات للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. ففي العاصمة لاباز ومدينة سانتا كروز وكوتشابامبا، اصطفت السيارات في طوابير طويلة أمام محطات الوقود، حيث ينتظر السائقون أيّامًا كاملة للتزود بالبنزين. وأظهرت لقطات التُقطت بطائرات مسيّرة مشاهد ازدحام هائل في مدينة إل ألتو، بينما نظّمت نقابات النقل في كوتشابامبا مسيرات وأغلقت الطرق الرئيسة، وأعلنت السلطات أن وسائل النقل العام في سانتا كروز تعمل بنسبة 60% فقط من طاقتها المعتادة.
وتشير التقارير إلى أن نحو 600 صهريج محمّلة بحوالي 20 مليون لتر من الوقود — وهي كمية تكفي البلاد من ستة إلى ثمانية أيام — لا تزال متوقفة في مصفاة بالماسولا في سانتا كروز بانتظار إذن التفريغ. وقالت شركة النفط الوطنية “YPFB” إن سبب التأخير يعود إلى متأخرات مالية لمورّدي الوقود، بينما حذّر قادة الصناعات من أن الأضرار تتفاقم بسرعة كبيرة. وشبّهت غرفة النقل الشرقية الوضع بجسد “في العناية المركزة”، وأكدت غرفة البناء في كوتشابامبا أن مشاريع البنية التحتية متوقفة بسبب نقص الوقود وندرة العملات الأجنبية وارتفاع الأسعار، فيما وصفت الغرفة الزراعية الشرقية الوضع بأنه “غير قابل للاستمرار”، محذّرة من أن الزراعة قد تتجاوز “نقطة اللاعودة”.
وتزداد الأزمة تعقيدًا مع اقتراب موعد جولة الإعادة الرئاسية بين الرئيس الأسبق اليميني خورخي توتو كويروغا ورئيس بلدية تارِيجا السابق الوسطي رودريغو باز، في انتخابات يُتوقع أن تُنهي أكثر من عقدين من الحكم اليساري. ويقول المسؤولون إن نقص الوقود وتراجع احتياطي العملات الأجنبية — بسبب كلفة الدعم الحكومي الباهظة — أدّيا إلى أسوأ أداء اقتصادي في بوليفيا منذ نحو أربعين عامًا، حيث تواجه البلاد شحًا حادًا في الوقود والعملات الصعبة، فيما تجاوز التضخم السنوي 23%، ما زاد من تآكل الثقة الشعبية بالحكومة الاشتراكية المنتهية ولايتها.
كما أوضحت اللجنة العليا للانتخابات أن الأزمة بدأت تعطل اللوجستيات الانتخابية، إذ لا تعتمد البلاد على التصويت الإلكتروني، بل تُنقل بطاقات الاقتراع الورقية يدويًا إلى آلاف المراكز في جميع الأقاليم، مما يجعل نقص الوقود خطرًا حقيقيًا يهدد بتأخير توزيع المواد الانتخابية وتأجيل انتشار فرق اللجان في الوقت المحدد. ويحذر المسؤولون من أن أي تأخير إضافي في الإمدادات قد يعطل عملية التصويت أو نقل الصناديق، ما قد يثير جدلًا سياسيًا واسعًا حول نزاهة الانتخابات المقبلة.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن استمرار الأزمة دون خطة إعادة تزويد واضحة وحلول فورية للدفع سيؤدي إلى تفاقم الانكماش الاقتصادي ويضعف ثقة الأسواق والمواطنين على حد سواء. كما حذّر قادة النقابات من أن فشل الحكومة في احتواء الموقف قد يشعل احتجاجات أكبر ويزيد الضغط على النظام العام والمؤسسات، في حين تحاول الحكومة طمأنة المواطنين بأن الإمدادات الجديدة “في طريقها” إلى البلاد. ومع ذلك، يرى محللون أن الأزمة تجاوزت حدود النقص المؤقت لتتحول إلى اختبار سياسي واقتصادي حاسم قد يحدد مستقبل بوليفيا في المرحلة المقبلة.